الدور التربوي للأسرة في تعزيز قيم الاعتدال الفكري لدى أفرادها (تصور مقترح)
محتوى المقالة الرئيسي
الملخص
تواجه المجتمعات المعاصرة كثيرا من التحديات التي تفرضها التغيرات المتلاحقة التي تمر بها في شتى مجالات الحياة، هذه التحديات المعاصرة ألقت بالعديد من الأعباء الثقافية والأخلاقية والاجتماعية والتربوية وانعكست بدورها على قيم وسلوكيات الأفراد وأثرت بالتالي في تشكيل هوية المجتمعات التي ينتمون إليها.
تلكم التحديات استدعت بالضرورة إيجاد بنية أخلاقية قوية قادرة على مواجهة التغييرات المتسارعة، والتيارات الفكرية الهدامة، من خلال إتباع المنهج التكاملي بالنسبة للمؤسسات التربوية كالأسرة والمدرسة والمسجد والجامعة، والتي يتشرب فيها النشء أخلاقه وقيمه (مهاوات وهراوة، 2017، ص492).
والمتتبع للواقع الاجتماعي في الوطن العربي يجد أنه يعيش مشكلات فكرية اتخذت صور متنوعة من حيث مضمونها وقوتها ، وبالأخص اهتزاز مفهوم القيم واضطراب المعايير الاجتماعية والأخلاقية ، وتجلى ذلك بشكل واضح في بروز ظاهرة الانحرافات الفكرية والسلوكية والابتعاد عن منهج الوسطية والاعتدال في التفكير، فانتشرت الجرائم الإرهابية والتطرف الديني الذي ولد الفرقة والفتن والصراع والعنف، وأثر على تماسك النسيج الاجتماعي. (المغامسي،2004،ص5، والحديري، 2019، ص1؛( Elshenawi & Wang, 2018, P36
لقد أحدث الانحراف الفكري أضراراً جسيمة على صعيد العناصر البشرية، وكذلك بالعناصر المادية والمتمثلة في منجزات ومقدرات المجتمع والتي بدورها أحدثت تشوهاً في معتقد الفرد أو بمؤسساته التربوية لدى القوى الأخرى (Alrehaili, 2014, P2).
لذا تكمن أهمية الاعتدال الفكري في مواجهة تلك الأفكار المنحرفة التي ساهمت في تحويل عدد من المجمعات من مجتمعات آمنة إلى مجتمعات مليئة بالخوف والعنف وعدم الأمن والاستقرار. (بولحية، 2018، 168).
و تكمن أهمية الاعتدال الفكري في أنه يوجد التوازن بين الفرد والجماعة، بين العقل والبدن، وبين المثالية والواقعية، وبين المادة والروحانية، فهو لا يستند إلا على علم صحيح قوي، مُبنى على إتباع الدليل الواضح، والابتعاد عن التعصب والهوى. (أبو جبر، 2014، ص3).
وفي هذا الصدد ينبغي على مؤسسات التنشئة الاجتماعية والتربوية أخذ التدابير اللازمة نظراً لأن الصراع في المستقبل لن يكون بالأسلحة الفتاكة وفي ساحات القتال، وإنما سيكون بنشر الفكر المنحرف والغلو والتطرف.(الحنتوشي والعتيبي، 2017، ص 186؛ وأحمد، 2018، ص83).
وتتميز الأسرة بأنها المحضن الأول الذي يستقبل الطفل منذ ولادته وحتى عدد من مراحله العمرية اللاحقة، بالإضافة إلى أنها تعد واحدة من أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية والتربوية ؛ فمن خلالها يكتسب الطفل قيمه وعادته وسلوكياته، ومن خلالها يتعلم الفرد ثقافته الاجتماعية التي تمكنه من النضج الاجتماعي لاحقا.
ويؤكد السيد(2009،ص45) أن الأسرة المصدر الأول للأخلاق والركيزة الأساس لضبط وتوجيه السلوك الإنساني، وعلى الرغم من صغر حجمها إلا أنها تعد من أقوى الأنساق الاجتماعية، فمن خلالها يكتسب الإنسان إنسانيته وعبرها يتحول الإنسان من كونه كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي ينجسم مع الآخرين ويتعايش معهم في ضوء القيم والمعايير المتعارف عليها في المجتمع.
فالتربية الأسرية الواعية للنشء تعد واحدة من أهم وسائل الوقاية من الانحراف الفكري والسلوكي، وعليه فإن الأسرة تتحمل مسؤولية كبرى في ذلك ، وعليها تقع مسؤولية تحقيق الرعاية التربوية المتكاملة لأبنائها.
حيث يقع على الأسرة دور كبير في ترسيخ مفهوم الاعتدال الفكري ووقاية أفرادها من الانحراف الفكري بكافة صوره وأشكاله ليتمكنوا من مواجهة التحديات الفكرية التي تموج بالمجتمعات في ظل الانفتاح العالمي على مختلف الثقافات الأخرى .